الوطن سبورت | ليونيل سكالوني.. سيمفونية الأرجنتين التي لا يتحدث عنها أحد

10 أبريل 2025 - 1:59 م

حين أردت أن أصف مسيرة ميسي في كتابي “أهداف خارج الثلاث خشبات” لم أجد أفضل من نص قاعدة يونانية كُتبت على أعمدة أثينا القديمة وتقول” لن تكون بطلًا إلا من خلال بلادك ولن تحقق النصر بجيش نبت في أرض الغير”، بدت القاعدة ملائمة للبرغوث الذي صال وجال وتأخر حتى حمل أول كؤوس بلاده ثم استمر حتى جلب لها الكأس الثالثة من المونديال في تتويج استحقه أحد أساطير كرة القدم عبر التاريخ.

لكن يبدو أن الأرجنتين التي أنجبت مارادونا وقدمت للعالم أورتيجا وكريسبي وباتيستوتا ودي ماريا ووصولًا إلى ألفاريز، لم تكتفي فقط بإنتاج مبدعين للساحرة المستديرة بل مديرين فنيين أيضًا، وقصتنا اليوم مع رجل كسر حتى قاعدة أثينا واستحدث قاعدة أخرى مفادها “يمكنك أن تكون بطلًا من خلال بلادك فقط ولست مضطرًا إلى الحرب مع جيوش أخرى”، هذا الرجل اسمه ليونيل سكالوني، المدير الفني الحالي للمنتخب الأرجنتيني.

ولنبدأ القصة من أولها علينا الرجوع إلى عام 2018 حين تولى سكالوني المنتخب بعد سلفه خورخي سامباولي والذي لم يحقق نجاح يذكر مع منتخب التانجو، وللحق أيضًا لم يكن اسم سكالوني الذي كان قد بلغ الأربعين لتوه في نفس العام اسمًا براقًا، فالرجل قضى 25 عام في الملاعب كمدافع وتنقل بين عدة أندية متوسطة مثل ريال مايوركا وأتالانتا ووست هام واعتزل في 2015 دون ضجيج أو جماهيرية واسعة، والأدهى من ذلك أنه تولى تدريب المنتخب في وقت كان الجميع ينادي ببطولة قارية تعود بها الأرجنتين إلى مجدها الكروي الذي اندثر منذ مارادونا إذ لم تفلح في الفوز بكوبا أميركا أو المونديال الذي وصلت إلى مباراته النهائية وخسرتها أمام ألمانيا في عام 2014. 

ليونيل سكالوني المدير الفني لمنتخب الأرجنتين 

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد وتحديات سكالوني زادت بفريق مدجج بالنجوم، فحين يكون قائد فريقك هو ليونيل ميسي بكل ما يمثل الاسم في عالم كرة القدم، وحين تمتلك لاعب بقيمة دي ماريا بما يملك من صفات قيادة داخل الملعب، وجماهير تؤازرك أينما كنت، فمن الصعب أن تتحجج وقتها بضعف الإمكانات وقلة المواهب. 

لكن ليونيل سكالوني قبل كل هذه التحديات وتولى المهمة، وتمكن بعد ثلاث سنوات من حصد لقب كوبا أمريكا بعد غياب أكثر من عقدين إذ أن آخر كوبا أمريكا فاز فيها التانجو كان عام 1993 وهنا استبشر الجميع خيرًا خاصة أن اللقب كان قبل أشهر من مونديال 2022 الذي ذهبت إليه الأرجنتين وهزمت في أولى اللقاءات أمام السعودية، لكنها سرعان ما استردت نفسها واكتسحت كل من قابلها بأداء أسطوري أسفر في النهاية عن جلب الكأس الثالثة الغائبة منذ أن فازت الأرجنتين بمونديال 86، وحصل ليونيل سكالوني على لقب أفضل مدرب في العالم، رغم ذلك لم يلتفت إليه أحد ولم يطرح اسمه ضمن كبار المدربين مثل أنشلوتي وجوارديولا وألونسو وغيرهم ممن يتربعون على عرش التدريب خلال العقد الأخير.

وللحق أيضًا فإن كثيرون اعتبروا المونديال مونديال ميسي فقط ودور سكالوني لم يكن إلا ثانويًا، لكن بعد مرور نحو ثلاث سنوات أضاف سكالوني كوبا أمريكا أخرى إلى بلاده ثم كأس السوبر اللاتيني المعروف بـ”فيناليسما”، بل وبعد 4 سنوات مازال منتخب التانجو هو المتصدر قائمة منتخبات الفيفا بحسب التصنيف، ومنذ أسابيع قليلة اكتسح منافسه التقليدي البرازيل بأربعة أهداف ليكرس سيادته على القارة.

ما السر في هذا النجاح؟، ذلك هو السؤال الذي بات مطروحًا بعد كل تلك السنوات، ومن وجهة نظري أن ما استطاع أن يفعله “سكالوني” ولم يفعله غيره أنه تمكن من تأسيس فريق، وبمعنى آخر يمكن القول أن منتخب الأرجنتين طوال الوقت كان اعتماده على النجوم والأداء الفردي، حدث ذلك مع مارادونا ولأنه كان نجم استثنائي تمكن من الفوز بالمونديال وكوبا أمريكا، كما حدث وقت وجود أورتيجا وباتيستوتا وكريسبو ولأن الأداء الفردي كان هو الطاغي لم يستطع النجوم بكل قوتهم من الفوز بأي لقب لأن التناغم كان مفقود وكل لاعب كان يلعب من أجل نفسه أو وفق إمكانياته، حتى بعد صعود ميسي كان الاعتماد الوحيد عليه.

 

سكالوني وميسي 

لذلك تعلم “سكالوني” الدرس سريعًا ومن البداية قرر أن يؤسس فريق متكامل لا فريق “يخدّم” على لاعب بعينه ولم يمنح أحد حرية اللعب كما يريد، ولفعل ذلك ضخ دماء جديدة كان أبرزهم ألفاريز عام 2019 وقد أصبح هذا اللاعب ضمن اللاعبين الذين حازوا معظم البطولات في سن صغيرة، المهم أن المدرب الشاب استعد جديًا وبدأ بعزف سيمفونيته التي حققت كل ذلك، والدليل أن مباراته الأخيرة في مواجهة البرازيل الغريم التقليدي وفي ظل غياب ميسي تمكن المنتخب الأرجنتيني من الاكتساح بـ4 أهداف رغم أنه واجه فينسيوس ورافينيا وباقي كتيبة السيلساو.

قد يكون ليونيل سكالوني ليس صاحب مدرسة مثل “التيكي تاكا” أو من أنصار “الضغط العالي” وكل ما إلى ذلك من مدارس صارت تنسب لمدربين وترفعهم إلى عنان السماء، لكن الأكيد أنه صاحب بصمة خاصة جعلته أسطورة في بلاده والأهم أنه قدّم درس لجميع مدربي المنتخبات الوطنية، أن صناعة الفريق أهم من الاعتماد على نجم.